#1
|
||||
|
||||
يوحنا المعمدان في البرية
«ماذا سيكون مستقبل هذا الولد يا تُرى؟». هذا ما تساءله جيران وأقارب زكريا. فما حدث لم يكن أمراً عادياً، لأن الكاهن زكريا وزوجته أليصابات كانا متقدمين جداً في السن، ولم يكن أحد يتوقع أن تُرزق أليصابات ولداً. وها قد وهبها الله ابناً. كان فرح الوالدين عظيماً، لأنهما تضرعا إلى الله لسنين عديدة لينعم عليهما بطفل. والآن، وبعد أن فقدا الأمل، تحققت أمنيتهما المنشودة. نعم، ماذا سيكون مستقبل هذا الولد يا تُرى؟ ولكن زكريا وأليصابات كانا يعرفان مسبقاً مستقبل الولد، لأن ملاك الرب ظهر لزكريا في الهيكل وتنبأ له قائلاً: «طلبتك قد سُمعت، وامرأتك أليصابات ستلد ابناً وتسميه يوحنا». وتابع الملاك كلامه لزكريا: «وهو سيكون خادماً عظيماً أمام الرب ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس. وسيبشر الناس بقرب مجيء الرب ويتكلم إلى قلوبهم لكي يرجعوا عن طرقهم الباطلة وأن يقتربوا إلى الله». وعزّى الملاك زكريا قائلاً: «سيكون لك فرح وبهجة بهذا الطفل. ليس أنت وحدك فقط، بل سيفرح به الكثيرون أيضاً». هذا ما حدث بالفعل، فكل الأصدقاء والأقارب والجيران فرحوا معهما لأن الله منح زكريا وأليصابات فرحاً عظيماً. وبقلب مفعم بالشكر رنّم زكريا ترنيمة حمد نظمها بنفسه لتمجيد الله. أصبح يوحنا ولداً فتياً، وكان يحب الاستماع إلى حديث والده، ويفكر ملياً بما يقوله له: «ستكون نبي العلي وتسير أمام الرب لتهيء طريقه». كان يوحنا يرغب بأن يكون عبداً للرب ويسير أمامه ليمهد له الطريق. ولكن كيف يقوم بهذا؟ ومتى وأين يبتدئ؟ لم يستطع أبوه أن يعطيه جواباً. فقط الله كان يعلم بكل هذه الأمور. لذلك ترك يوحنا بيته حينما أصبح شاباً، وتوجّه نحو البرية، حيث الجبال والحجارة والرمال. كان مأواه مغارة وطعامه جراداً وعسلاً برياً، أما ثوبه فكان من وبر الإبل، وعلى حقويه حزام من جلد. لم يكن يوحنا بمفرده في البرية، بل كان الله معه. وكان يهيِّئه للمهمة التي كانت بانتظاره. بعد ذلك أرسل الله يوحنا ليذهب ويبشر الناس قائلاً: «توبوا وارجعوا، فقد اقترب ملكوت الله». تراكض الناس من جميع الأنحاء ليسمعوا كلام يوحنا: «لا يمكنكم البقاء في حالتكم هذه. اعترفوا بخطاياكم أمام الله والناس، وارجعوا عن طرقكم الشريرة. لأن أبواب ملكوت السماوات مغلقة في وجهكم إن لم تتوبوا توبة حقيقية». ارتعب الكثير من الرجال والنساء لأنهم علموا الآن أن أعمالهم شريرة، ورأوا كذلك قلوبهم الملوثة غير النقية. اضطرب الناس وأنّبهم ضميرهم. فتقدموا إلى يوحنا واعترفوا بخطاياهم. واصطحبهم يوحنا إلى نهر الأردن، ونزل معهم إلى المياه وعمَّدهم بتغطيسهم في النهر. والتغطيس تفسيره أنه كما تنظف المياه الجسد، هكذا يريد الله أن يُطهر القلوب ويغسل الخطايا كلها. وفهم الناس هذا الرمز واشتاقوا أن تكون قلوبهم طاهرة. وكان يوحنا يلفت انتباههم إلى ذاك الذي يستطيع أن ينزع خطاياهم بالحقيقة ويغفرها إلى التمام. وكان يقول: «إنني أعمدكم بالماء لكن يأتي بعدي الذي هو قبلي الذي هو أقوى مني، وسيعمدكم بالروح القدس ونار. ومعموديته تعطيكم الخلاص الحقيقي والحياة الأبدية». لم يعمّد يوحنا الذين لم يندموا من كل قلوبهم على خطاياهم، بل صاح في وجوههم قائلاً: «يا أولاد الأفاعي لماذا أتيتم؟ أنتم تظهرون أنكم تحبون الله ولكن في الحقيقة لا تريدون أن تعرفوه حقاً. اصنعوا أثماراً تليق بالتوبة. لا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أباً، فهو لا يخلصكم. كل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تُقطع وتُلقى في النار». فسألوه: «ماذا نفعل إذاً؟». أجابهم يوحنا: «الذي عنده ثوبان فليعط ذاك الذي ليس عنده. والذي عنده طعام يقتسمه مع الجائع». بثمر سلوكنا يظهر إن كنا بالحقيقة قد ابتعدنا عن الشر واتبعنا الله. وجاء الذين اختلسوا أموال الشعب والذين كانوا يُعرفون بالعشارين إلى يوحنا للمعمودية لأنهم عرفوا أنهم لم يتصرفوا بالحق. وكان جميع الناس يشيرون إليهم بأصابع الاتهام، ولم يصاحبهم أحد. وإذ ثقل ذنبهم عليهم وأنّبهم ضميرهم، رغبوا بأن يتجددوا. وبعد أن اعترفوا بخطاياهم واعتمدوا سألوا يوحنا قائلين: «يا معلم، ماذا علينا أن نفعل؟». فقال لهم: «لا تطلبوا من الناس مالاً أكثر مما يسمح به القانون». وللجنود الذين أتوا إليه بالسؤال ذاته قال: «وأنتم، لا تختلسوا شيئاً، ولا تبتزوا أموال أحد، ولا تظلموا أحداً بل كونوا مكتفين بدخلكم». وأتى أيضاً الكهنة وخدّام الهيكل من المدينة لا ليعتمدوا بل ليعرفوا حقيقة يوحنا. فسألوه: . «من أنت؟» فأجابهم يوحنا: «أنا لست المسيح». «من أنت إذن؟». سألوه ثانية: «هل أنت إيليا؟». «كلا». أجاب يوحنا. سألوه ثالثة: «أأنت النبي إذن؟». فأجاب وقال: «أنا صوت صارخ في البرية: أعدوا طريق الرب». فسأله الكهنة قائلين: «لماذا تعمّد إذاً إن لم تكن المسيح ولا إيليا ولا النبي؟». فأجابهم يوحنا: «إنني أعمّد بالماء، لكن بينكم يوجد الذي لستم تعرفونه. وهو سيأتي بعدي الذي هو قبلي، وأنا لست أهلاً أن أحلّ سيور حذائه». وفي اليوم التالي كان يوحنا واقفاً عند نهر الأردن يبشر ويعمّد الناس. فتقدم إليه يسوع عبر الجموع. وعندما رآه يوحنا عرفه بالروح. ففرح ونادى الجمع المحتشد حوله قائلاً: «انظروا هذا هو حمل الله الذي يرفع خطية العالم، الذي كلمتكم عنه أنه سيأتي بعدي». ثم طلب يسوع من يوحنا أن يعمّده. لم يستطع يوحنا أن يقبل هذا. فكيف يستطيع يوحنا الإنسان أن يعمّد يسوع القدوس؟ فقال يوحنا: «هذا لا يجوز! أنا الذي أحتاج أن أعتمد منك. كيف تأتي أنت إليّ؟». يسوع البار المنزه عن الخطيئة، ليس بحاجة إلى المعمودية. لكن يسوع قال له: «لا تمتنع عن تعميدي لأن هذا يجب أن يكون، لكي تتم مسرة الله». فأطاع يوحنا. ونزلا إلى النهر، وهناك غطس يسوع مثل باقي البشر. ولكن عندما صعد يسوع من المياه، ظهرت حقيقته جلياً، إذ انفتحت السماوات ونزل الروح القدس عليه مثل حمامة بيضاء. وقال صوت من السماء: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت». عندئذ أدرك يوحنا أن يسوع هو المخلص الذي أتى ليخلص ويسعد العالم. وغمره فرح عظيم لأن الله اختاره وأكرمه أن يهيِّء الطريق لمخلص العالم إلى قلوب الناس. وكان هيرودس، ابن هيرودس الأكبر، ملكاً أيام يوحنا. وعرف الشعب عنه أنه أخذ هيروديا زوجة أخيه فيلبس وتزوج بها. وذهب يوحنا المعمدان إليه في القصر وقال له بجرأة: «لا يحل لك أن تأخذ امرأة أخيك زوجة». فغضب الملك جداً وأراد أن يقتل يوحنا فوراً. لكنه لم يجرؤ على ذلك خوفاً من الشعب الذي أحبّ يوحنا وأكرمه كثيراً كنبي الله. وكذلك عرف الملك أن يوحنا رجل قدوس وتقي. فأمر عبيده أن يرموا به في السجن فقط. اضطرب الملك جداً في أعماق قلبه لأنه أدرك أن يوحنا تكلم بالحق. ومن المؤكد أن الله استقبح عمله هذا. ومن وقت إلى آخر كان هيرودس يستدعي يوحنا ليستشيره ويصغي إليه وفي بعض الأحيان يفعل بمشورة يوحنا. أغاظ هذا التصرف هيروديا التي كانت تحقد على يوحنا، لأنها لم تحتمل اتهام يوحنا بعدم شرعية زواجها من هيرودس. كيف يمكنها أن تتخلص من هذا الواعظ الذي يؤنب ضميرها؟ وبدلاً من أن تنسحق بسبب الخطيئة وتخضع لإرادة الله، دبّرت مؤامرة شيطانية، لتهبط بها إلى أسفل دركات الخطيئة. وحرّضت ابنتها على تنفيذ هذه المؤامرة. في أحد الأيام حانت الفرصة المناسبة لهيروديا لتنفيذ خطتها، وذلك أثناء احتفال الملك بعيد ميلاده. كان كل موظفي الدولة والقادة ووجهاء البلد مدعوّين لحضور هذا الاحتفال. وللترفيه عن الضيوف تقدمت ابنة هيروديا لترقص. ورقصت بخفة ورشاقة، وفتنت الجميع برقصها. حتى هيرودس نفسه، تمتع بهذا العرض ونادى الفتاة قائلاً: «أعطيك كل ما تطلبينه حتى نصف مملكتي». وحبس الضيوف أنفاسهم متسائلين: «ماذا ستطلب هذه الفتاة بعد هذا العرض العظيم يا تُرى؟ أذهباً أم ثياباً أم جواهر أم قصراً». ونظر كل الحضور إليها. أمر لا يُصدق! هل حقيقة ما سمعوا؟ علا الوجوم وجوه الضيوف وارتجف الملك ونظر بأسف أمامه لأنه لم يفكر بعاقبة قَسمه أبداً. لكن القَسم الذي اتخذه أمام كل الحاضرين، لم يستطع التراجع عنه. ما هو الذي طلبته ابنة هيروديا يا تُرى؟ «أريد أن تقدم لي رأس يوحنا المعمدان على طبق فوراً». والآن حصلت هيروديا على ما ابتغته. وقُطع رأس يوحنا في السجن تنفيذاً لأمر الملك. إلى أي حد من الوحشية يمكن للإنسان المملوء بالكراهية أن يصل! حينما سمع تلاميذ يوحنا بما حدث أحضروا الجثة ودفنوها. وفي حزنهم الشديد ذهبوا إلى يسوع وأخبروه بكل ما جرى. وهكذا ضحّى يوحنا بحياته في سبيل الحق. ولم تكن حياته دون جدوى، فهي لا تزال تتكلم إلينا حتى اليوم. لقد أرشد يوحنا الناس إلى يسوع نور العالم. وكان شاهداً أميناً لربه حتى النهاية. ودلّ موته مسبقاً إلى موت المسيح الذي سيتم ظلماً. لهذا قال يسوع: «لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان». هو أشهر الأنبياء وخاتمهم فقد شهد لربه الآتي وهيأ له الطريق. لنكن نحن أيضاً شهوداً أمناء نرشد الناس حولنا إلى ذاك الذي يستطيع بالحقيقة أن يخلصنا من الخطيئة والكراهية. التعديل الأخير تم بواسطة المصرى الأصيل ; 06-17-2010 الساعة 11:15 AM. |
06-17-2010, 05:38 AM | رقم المشاركة : [2] |
مشرف منتدى الملاك ميخائيل
|
جميل اوى مرسى يا sasso ربنا يباركك |
|
|
06-17-2010, 11:34 AM | رقم المشاركة : [3] |
امين الخدمة
|
يـوحـنا المعمـدان هو ذلك الصوت الصارخ في البرية هو الملاك المرسل من الله أمام المسيح المنتظر والذي يعد ويحضر له وكان عجيباً فى الحبل به وولد وامتلأ مـن الـروح القدس عندما ارتكض في بطن أمه وهو مجرد جنين عند زيارة كلية الطهر والعفاف العذراء دائما الحاملة المسيح جنيناً في بطنها وختم كرازته بسفك دمه فعلا كما قال الكتاب المقدس" ولم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان " مت 11:11 شكرا ساسو ربنا يبارك فى خدمتك |
|
|
06-17-2010, 06:21 PM | رقم المشاركة : [4] |
مراقب عام و مشرفة منتدى الشباب والشبات
|
شكرا ساسو علي مجهودك الاكثر من رااااائع ربنا يعوض تعب محبتك
|
|
|
06-17-2010, 11:27 PM | رقم المشاركة : [5] |
مراقب و مشرفة قسم التأملات
|
مرسى كتيييييييير ميشو مستر ثروت ميرنا حبيبتى اللى بتشجعنى |
|
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
القديس يوحنا إبن زبدى الرسول ( يوحنا الإنجيلى ) | joseph | منتدى رجال ونساء الكتاب المقدس | 4 | 04-07-2009 08:50 PM |
قصة يوحنا المعمدان | HeroRomany | منتدى سير القديسين | 0 | 11-14-2008 06:38 PM |
القديس يوحنا السلمى | yoyo2008 | منتدى سير القديسين | 5 | 07-17-2008 05:50 PM |
عيد ميلاد يوحنا | pinknora | منتدىالمناسبات السعيدة | 25 | 07-02-2008 05:08 AM |
ترحيب ب بلبل البرية | بنت الانبا تكلا | منتدى التعارف والترحيب بالاعضااء | 5 | 06-18-2008 11:14 AM |